الزلازل من أظهر علامات بعث المهدي
الحمد لله الذي ما بعث أحدا من رسله إلا وأيده بما يقطع به حجة من كفر ، ويظهره بالبراهين حتى يعذر عن نفسه كل من عاند وجحد ، والصلاة والسلام على من نصح وبلغ ، وبشر وأنذر في أمر المهدي كما أمر كل من غاب وشهد ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الأوفياء الأتقياء . أما بعد :
لقد بعث المهدي وقضى الله عز وجل آية الزلازل لأمره برهاناً ولصدق بعثه عنوانا ، فجاءت تلك الآية ظاهرة عامة غير خافية كآية تشكل الغيم على هيئة إكليل فوق المكان الذي تواجد به ، وكان ذلك على موعد ضرب له بالرؤيا عن مثال الخليل عليه الصلاة والسلام ، فجاءت آية الغيم مختصة به خافية في أمرها على الكثير من الناس ، وأما آية الزلازل فقد كانت عامة علمها الناس جميعا وأثبت تحققها الكثير ممن اختص في إحصاء عدد الزلازل في عصرنا هذا ، فجاءت حجة قاطعة من الله تعالى بصدق بعثه وخروجه ، ولأجل هذه الغاية نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خبرها وعدها العلامة الدالة على زمن بعثه ، والأمر جار هنا له على سنة الأنبياء والمرسلين , فبعثه من جنس بعثهم وإرسالهم , قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر , وإنما كان الذي أوتيته وحيا من الله إليَّ ) (1) . والمهدي على سنتهم في ذلك ، إذ جعل الله تعالى آية بعثه كثرة الزلازل وتواترها ، وقدرها الله تعالى أمارة لصدق دعوته ، دالة على عينه ومعرفة بزمنه ، فهل انتفع الناس بذلك وأيقنوه وعرفوه , أبدا لا تجدهم إلا في غفلتهم وجهلهم يعمهون كما نص على ذلك المولى عز وجل في قوله : ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون ) (2) ولا تجدهم إلا في ضلالهم وجرأتهم على الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - يجحدون هذه الآية البينة وينكرونها ,متشدقين بإنكارهم أنهم على الحق وقد غرهم الشيطان بالوساوس والتخمين ، وأوقعهم بسبب ذلك بالجهل والضلال المبين .
قال تعالى : ( وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين . فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباءُ ما كانوا به يستهزءون ) (3) والإتيان في الآية هنا على الحقيقة سواء في الآيات المنبئة المتلوة ، أو في الآيات المتحققة من أشراط الساعة المنبَّأ عنها في الكتاب والسنة ، وأنها كائنة آخر الزمان في عصر المهدي ، ألا تراه كيف يتوعدهم بإدراك ما كذبوا واستهزأوا به ، وهذا مما لا يكون إلا لمن عاصر وأدرك لا لمن أخبر ولم يدرك ، ولو كان غير ذلك لعد وعيد غير صادق وحاشا لله تعالى الذي لا يكون منه إلا الحق .
والأنباء المتوعد بها هنا ، هي تحقق الفصل بنجاة المؤمنين والفوز بالعاقبة التي تأتي بهلاك المنافقين والأشرار من هذه الأمة وغيرهم وهو مما لا يكون إلا بعد تحقق الآيات وهي أشراط الساعة المنتظرة ، كالدخان ، والنار ، والزلازل ، وغيرها مما نص عليها الكتاب والسنة ....
وما كان جزاؤهم عند المولى عز وجل من بعد ظهور وثبوت براهينها ، إلا في قوله تعالى :( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين . والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم ..) (4) وقوله : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) (5) واليوم يعد تكذيب المهدي في استدلاله بدلالة آية الزلازل ونار المشرق ودخانها إنما هو في حقيقة الأمر تكذيب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : مما ينبغي أن يعلم , أن الله تعالى إذا أرسل نبياً وأُتي بآية دالة على صدقه , قامت بها الحجة , وظهرت بها المحجة . وفي تتابع الآيات حكمة , فإن الأدلة كلما كثرت وتواردت على مدلول واحد كان أوكد , وأظهر وأيسر لمعرفة الحق , فقد يعرف دلالة أحد الأدلة من لا يعرف الآخر , وقد يبلغ هذا ما لم يبلغ هذا اهـ (6) .
قال الشافعي رحمه الله تعالى في اختلاف الحديث : رسول الله لا يبعث إلا بما تقوم به الحجة اهـ (7).
ولما كان المهدي على سنة الأنبياء والرسل جعل الله تعالى له آية الزلازل علامة وحجة على الناس وبرهان ، ولذا نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خبرها وقطع على أنها الدليل على تحقق خروجه ، ولو لم تكن الزلازل دليلا على ذلك لما ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولعد ذلك من لغو الكلام ، وحاشاه عليه الصلاة والسلام أن يخبر إلا بالحق .
قال ابن تيمية : خاصة الدليل أنه يلزم من تحققه تحقق المدلول عليه ، ولا يكون إلا مختصا به ، لا يكون مشتركا بينه وبين غيره ، فإذا وجد مع وجود الشيء ومع عدمه لا يكون دليلا عليه ، بل الدليل ما لا يكون إلا مع وجوده ـ أي وجود المدلول عليه ـ اهـ (8).
قلت : كذلك الزلازل لما جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دليلا على خروج المهدي وجب أن تكون كذلك كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ولما كانت الزلازل ما زالت معهودة في الناس فلا بد من أمر زائد في تحققها حتى يصلح أن تكون علامة وآية ودليلا على خروجه كما أخبر بذلك ، وليس هناك إلا أن تكون على سبيل التواتر والكثرة والغرابة في تحققها ، فيصح أن تكون بذلك منبهة لخروجه حجة في تعيينه وهو عين ما حصل في بعث المهدي ، ولم يكتفى بذلك فقط بل نبه سلمان وغيره على خروج المهدي أول ما خرج ثم توالت بعد ذلك الزلازل بتواتر غير مسبوق واستغربه الكثير من أهل الاختصاص المتابعين لآثار الزلازل ، وما ذلك من الله تعالى إلا لحكمة التعريف والتذكير بتحقق خروجه وإقامة للحجة وقطعا للشبه والتخمين . وقد ثبت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام في أكثر من حديث أن كثرة الزلازل من علامات الساعة وأشراطها ، من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج ، وحتى يتطاول الناس في البنيان ) . فالعلم اليوم مقبوض والزمان تقارب وظهرت الفتن وكثر الهرج وتطاولوا في البنيان ، وها هي الزلازل قد كثرت وتواترت تصديقا لتحقق خروج المهدي كما نص على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس بعد ذلك إلا تصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو تكذيبه .
وجاء عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أيضا في الزلازل قوله : ( بين يدي الساعة موتان شديد ، وهذه سنوات الزلازل ) (9) . قيدها في سنوات معينة ولا بد من سبب لهذا التقييد والتعيين .
ومما أفاده حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن سبب ذلك التقييد والتعيين تحقق بعث المهدي وهي علامة وآية لخروجه ، قال أبو سعيد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ) (10). جعلها آية لخروجه دالة على تحققه ، وقرن وقوعها مع وقوع الخلاف في الناس وهو عين ما حصل في السنوات التي تلت فتنة صدام العراق ، فتنة السرى التي غزا فيها صدام الكويت بليل ، نسبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسريان الليل نسبة إلى تحقق غزوها بليل ، وأتى الدخان أيضا من أظهر العلامات لتحقق بعثه ، الدخان الذي نص عليه كتاب ربنا ووصفه ( بدخان مبين ) أي بين ظاهر ، وكفى بكتاب ربنا هاديا ومرشدا .
وقد جمعت في إثبات تواتر الزلازل عقب فتنة الخليج ما لا ينكره إلا منافق جاحد مكذب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولتيقن صدق قولي فليراجع ذاك الكتاب (11) .
_____
(1) رواه البخاري في الصحيح .
(2) سورة الدخان (13-14) .
(3) سورة الأنعام ( 4-5 )
(4) سورة الأعراف (146-147) .
(5) سورة الكهف (103-105) .
(6) الجواب الصحيح (6 / 429) .
(7) اختلاف الحديث للشافعي (ص42) .
(8) النبوات (28، 256) .
(9) رواه أبو يعلى في المسند (12/271) ، والطبراني في مسند الشاميين (1/457) عن سلمة بن نفيل .(10) قال الهيثمي رواه أحمد وأبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات . وذكر التويجري رحمه الله أن الحافظان العراقي وابن حجر أقراه لكونهما قد حررا مجمع الزوائد معه ( الاحتجاج بالأثر ص 14 ) . ورواه الحاكم من غير هذا الوجه باختصار أيضا وصححه ووافقه الذهبي .
(11) " البيان الثاني لرد فرية الجاني " . اهـ من كتاب " كشف اللثام عن جهل سلمان العودة على أمر مهدي الإسلام "
( قدامه ترتعد الأرض ..) نبي الله يوئيل عليه السلام
( أليس من أجل هذا ترتعد الأرض ) نبي الله عاموس عليه السلام
( أضاءت بروقه المسكونة . رأت الأرض وارتعدت .. ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب قدام سيد الأرض كلها ) الزبور
( نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية وخسفت أكام القدم .. أبصرتك ففزعت الجبال سيل المياه طما ) نبي الله حبقوق عليه السلام
( فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ وَصَرَخْتُ إِلَى إِلَهِي ، فَسَمِعَ صَوْتِي مِنْ هَيْكَلِهِ ، وَصَعِدَ صُرَاخِي أَمَامَهُ ، عِنْدَئِذٍ ارْتَجَّتِ الأَرْضُ وَتَزَلْزَلَتْ ، ارْتَجَفَتْ أَسَاسَاتُ الْجِبَالِ وَاهْتَزَّتْ ، لأَنَّ الرَّبَّ غَضِبَ ) الزبور
( رأت الأرض وارتعدت ، ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب سيد الأرض كلها ، أخبرت السماوات بعدله ورأى جميع الشعوب مجده ) الزبور
( أنا مزمع أن أزلزل السماء والأرض. وأطوح بعروش ممالك الأمم.. في ذلك اليوم يقول الرب القدير، أصطفيك يا عبدي ) نبي الله حبقوق عليه السلام
( نظر فرجف الأمم .. بغضب خطرت في الأرض بسخط دست الأمم، خرجت لخلاص شعبك لخلاص مسيحك ) نبي الله حبقوق عليه السلام
( ماجت الأمم وهاجت ، فتزلزلت الممالك ، ولكن ما إن دوى بصوته حتى ذابت الأرض . تعالوا وانظروا أعمال الله الذي صنع عجائب في الأرض ) الزبور
( ويلجأ الناس إلى مغاور الجبال، وإلى حفائر الأرض، متوارين من هيبة الرب ومن مجد جلاله، عندما يهب ليزلزل الأرض ) نبي الله اشعيا عليه السلام
( تتزلزل الجبال أمامه ، وتذوب التلال ، وتتصدع الأرض في حضرته والمسكونة والساكنون فيها . من يصمد أمام سخطه ) نبي الله ناحوم عليه السلام
( الناظر إلى الأرض فترتعد، يمس الجبال فتدخن .. لتبد الخطاة من الأرض والأشرار لا يكونوا بعد ) الزبور
( وقف وزلزل الأرض، تفرس فأرعب الأمم ) نبي الله حبقوق عليه السلام
ويقول نبي الله تعالى " حجي " عليه الصلاة والسلام كذلك في هذا الخصوص مما تحقق به التواتر عن الأنبياء الاطهار وآخرهم وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في التبشير بالمهدي عند الإختلاف والزلازل ، وما قاله إنما هو تأكيد على ما أوحى الله تعالى قبله لسائر الأنبياء في البشارة بالمهدي وبيان اظهر العلامات الدالة على تحقق بعثه ، ومثل ما أنذر سائر الأنبياء شر المسيخ الدجال الأعور ، بشروا كذلك بخير المهدي وبيان العلامات على تحقق بعثه ليصيب ذلك الخير من يوفقه الله تعالى ، ويُصدّ عنه من يبغضه الله تعالى ، وما كان ربكم بظلام للعبيد .
( ولسوف أزلزل كل الأمم . وسوف يأتي مشتهى كل الأمم ) نبي الله حجي عليه السلام
وآخرهم نبينا صلى الله عليه وسلم قال :
( أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل )
( لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل ) . رواه البخاري رحمه الله تعالى
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على معنى كثرة الزلازل آخر الزمان على ما ورد في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( .. وحتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ) .
قال : قد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل ولكن الذي يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها اهـ .
رحم الله ابن حجر فهو بقوله هذا يجيب الحمير البشرية اليوم التي لم تفهم كما كان يفهم أولئك العقلاء الأخيار ما معنى وجه دلالة المدلول عليه من آيات الله تعالى إذا اختصت ببيان وجه صدق المرسل من الله تعالى ، فهم اليوم يبطلون تلك الدلالة على بعث المهدي وتعيين زمان بعثه وهي الزلازل وتواترها ، فيحعل الحمقى أولئك المعطلة للشرع والعقل كون الزلازل لا زالت أن ليس في ذلك وجها للدلالة على ما نص عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم ويجعلون كلامه بمنزلة اللغو عليهم اللعنة وسوء العاقبة حين نص على أن المهدي لا يبعث إلا على اختلاف من الناس وزلازل ، وهنا يبين العالم ابن حجر رحمه الله تعالى وجه ذلك بقوله :
" يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها " اهـ .
وأزيد أنا على ما قاله كما ثبت من فعل الله تعالى بواقعهم اليوم : " وشدة تدميرها " .
وبهذا يفسر ما قاله وعناه العالم الرباني ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" سبحانه جعل مع الرسل آيات هن علامات وبراهين هي أفعال يفعلها مع الرسل يخصهم بها لا يوجد لغيرهم , فيعلم العباد لاختصاصهم بها أن ذلك إعلام منه للعباد وإخبار لهم أن هؤلاء رسلي كما يعلمهم بكلامه المسموع منه ومن رسوله فآيات الأنبياء هي علامات وبراهين من الله تتضمن إعلام الله لعباده وإخباره , فالدليل وهو الآية والعلامة لا تدل إلا إذا كان مختصا بالمدلول عليه مستلزما له إما مساو له وإما أخص منه , لا يكون أعم منه غير مستلزم له فلا يتصور أن يوجد الدليل بدون المدلول عليه فالآيات التي أعلم الله بها رسالة رسله وصدقهم لا بد أن تكون مختصة بهم مستلزمة لصدقهم . والآيات التي جعلها الله علامات هي أعلام بالفعل الذي قد يكون أقوى من القول فلا يتصور أن تكون آيات الرسل إلا دالة على صدقهم ومدلولها أنهم صادقون لا يجوز أن توجد بدون صدق الرسل البتة , وكون الرب أراد بها إعلام عباده بصدقهم وصدقهم بها في إخبارهم أنه أرسلهم وكونها آية وعلامة على صدقهم أمر يعلم كما تعلم دلالة سائر الأدلة " اهـ . النبوات (191).
لأبي عبد الله الحسين بن موسى اللحيدي
موقع المهدي