وفيه شرح نبوءة المسيح عليه السلام وبيان معناها : ( الحق اقول لكم ، أن القمر سيعطيه رقادا في صباه ، فإذا كبر هو أخذه كفيه ) .
ويتضمن هذا الجواب إلزاما جديدا رابعا يضاف لسائر الإلزامات في كتابنا ( إفحام الخصوم بطلب الجوابات على الأسئلة الحسوم ) وسيكون كسابقيه بتعذر جوابهم عليه .
ومثل ما انتفت مقدرتهم على جواب ما سبقه ، سيثبت بحول الله تعالى عجزهم عن جواب هذا الأخير .
وهذا السؤال مستفاد من آيات سورة الدخان قوله عز وجل : ﴿ حم . والكتاب المبين . إنا أنزلناه في ليلة مباركة . إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم . أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك ﴾ .
وقبل الشروع أقول : ليجمعوا كل أهل اللغة علهم يعينونهم قديمهم وحديثهم ، وأهل العلم الشرعي كلهم ، ثم ينظروا هل بمقدورهم إثبات أن ( كنا ) هنا أصلية ضرورية وليست زائدة ؟ ، ولن يقدروا على ذلك سبيلا .
ومعنى الزائدة هنا أي ( التي يستغنى عنها في السياق ، وهي التي لا يخل حذفها من السياق بالمعنى ) .
أما الضرورية ، فهي التي لا يمكن حذفها بحال لأن حذفها يخل بالمعنى ولا يستقيم الكلام من دونها .
وعليه أقول في الجواب على المعنى المشار إليه بنبوءة المسيح عليه السلام وبيان علاقتها بآيات سورة الدخان المتلوة آنفا : أن ( كان ) الزائدة في تلك الآيات قد دست في نبوءة القمر الإنجيلية .
وقبل تفسير ذلك علينا تبين هل للقمر فيء بالحقيقة أم لا ؟ ، وما هو فيئُه ؟
وهل هناك فرق بين فيء الأجسام وظلها ؟
نعم ، فقد ثبت في لسان العرب وجود الفرق ، فهم يسمون بالظل ما كان متحركا من الأجسام ، ولا يصفون بالفيء إلا الثابت من الأجسام .
وعلى وفقه يكون فيء القمر وماهيته الحقيقية من المستحيل رؤيته بالعيون البشرية ! ، وليقف هنا إجلالا لهذه النبوءة العظيمة في القرآن والإنجيل كل مؤمن يخشى الله تعالى ويرجو لقاءه ، من الذين هدى واجتبى .
وأنتم تعلمون العرب لا تقول هذا فيء فلان ويريدون ظل جسمه ، بل يقولون ظله ، وقد اثبت هذا المعنى صفة للرحمن ما يدل على صحة وصدق اعتقاد اثبات الحركة للمولى عز وجل ، وإلا لقيل ( لا فيء إلا فيئُه ) ! ، فتنبه لهذا فهي فائدة عزيزة عرضت .
وتقول العرب فيء التلول وفيء المنزل لثبوت هذه الأشياء بغير حراك ، مع كبر حجمها .
لكن للمعلومية هم لا يمنعون وصف الظل على الكل ، إلا أنهم لا يقولون بحال عن ظل الشخص المتحرك هذا فيء فلان ، وخصوصية الوصف بالفيء والله اعلم أتت من كبر ظل الأجسام مثل التلول والجبال والمنازل ، وأن حركته منضبطة لا بحركة تلك الأجسام ذاتها ، بل بحركة الشمس .
ولما كان تحرك القمر بالخلاف من حركة الأجسام الموصوف خيالها بالظل ومنها اجسام البشر ، كان اطلاق الفيء عليه هو الأنسب ، كيف لا وهو غير مرئي أصلا ، وهذا سر تعلق النبوءة به وصفا .
وهنا أسأل : كيف ينشأ فيء القمر ؟ هل ينشأ بتوسطه ما بين الأرض والشمس ، وهنا إذا توسط صرنا نحن في ليل وتعدت القضية هنا مسألة الفيء ، وسنصبح حينها في ليل دامس لا قمر ولا فيء قمر !
والصحيح أن الفيء إنما يكون لازما للقمر ما رأته أعين البشر ، فكلما رأيته يا الناظر أيقن أن له فيئا لكنه غير مرئي بالنسبة لمقدرة عينك المجردة فهو حاصل من جهته الأخرى ، لكن لا يستحيل على عقلك ادراك وجوده على الحقيقة ، ومن هنا أتى التشبيه البليغ في نبوءة القرآن والإنجيل معا ، وهذا هو فيء القمر .
وعلى وفقه ننطلق لفهم النبوءة الإنجيلية والقرآنية كذلك ، ومن هنا أتى سر ارتباط بعض رؤى مبشرات المؤمنين بالقمر ، بل اكثرها اليوم يرمز للقمر لهذا المعنى ، وليتنبه لهذا .
بل ماذا اقول ؟ : إن آية الإنشقاق العظيمة كانت تنبه لهذا ، حين طلبوا منه آية ، فلم يعرض عليهم المولى عز وجل إلا في هذا المعنى ، آية انشقاق القمر ! ، فكل شق يمثل رسول ! ، أي أراهم وجه القمر وفيؤه لو كنتم تعلمون .
ومعنى النبوءة : أن القمر بدى بوجه ، وسيأتي يوم يتبدى الفيء لهذا القمر على آخر حتى تبلغ المشابهة والمطابقة كما وجه القمر الآن ، فيما لو استدار وبدى بدلا من جانبه الآخر جانبه الغير مرئي للبشر طوال الازمان الماضية .
فهل لو انفتل القمر بإذن الله تعالى وصار ما كان في الجانب الآخر لجهتنا ، هل تراهم يفطنون ؟! ، أبدا لن يكون .
فهذا معنى النبوءة .
ولنعد الآن لـ ( كنا ) في آيات سورة الدخان ، وبيان مدى علاقتها بهذه النبوءة ، والتعريف بأنها تفسير لهذه النبوءة الإنجيلية وهنا المفاجأة !
وكلاَ ( كنا ) في تلك الآيات في ذات المعنى ، فالنذارة بأمر المهدي ، والإرسال للمهدي في تلك الآيات ، ومن هنا يأتي العجب في علاقة ( كنا ) في تلك الآيات بهذا المعنى ، في كونها زائدة وليست غير ذلك .
وهنا أدعو العاقل لرفع ( كنا ) من تلك الآيات بالتلاوة وليرى بنفسه كيف سيكون المعنى ؟
لاشك سيجد المعنى : ( انا منذرين ) و ( انا مرسلين ) للمستقبل ، لا الماضي ولا الحال ، خصوصا في ( مرسلين ) ! ، ولو كان المراد بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم لما جاز لهذا الوجه أن يكون في خطابه ، فالإله الحق منزه خطابه على الإطلاق من أدنى زلل ، ولا يصح قوله والمراد المصطفى صلى الله عليه وسلم في : ( إنا مرسلين ) ، وهو قد أرسل بالفعل زمن الخطاب ، ومثله ( الإنذار ) ، فهي مقترنة هنا ، أي تضمن كل منهما معنى الآخر ، سنرسل وننذر ! ، وهو خارج على وجه الخبر ، والخبر بالمصطفى صلى الله عليه وسلم ممكن هنا ، وذلك أن يقول : ( إنا أرسلنا ) !
فلا يستقيم بحال أن يقول ( انا مرسلين ) والنبي من يتنزل عليه الخطاب قد أرسل ! ، فهذا لا يستقيم في خطاب العقلاء فكيف بالرحمن العليم الحكيم سبحانه ، فيجب تنزيه المعنى في خطابه هذا من فهمهم السابق لتلك الآيات .
فقوله : ( انا مرسلين ) أي سنفعل ، ولم نفعل بعد .
فانظروا إخواني للعجب في اسرار القرآن ، وهنا يأتي تفسير قول من قال القرآن حمال أوجه .
وأنا اتحداهم أن يأتوا بالمنع لهذا الوجه الذي ذكرنا في ( كان ) الزائدة من حيث اللغة والمعنى ، وهو اسلوب في القرآن ، ومثاله قوله تعالى : ﴿كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾ . وهو أمامهم ، يمكنهم قول : ( كيف نكلم من في المهد صبيا ) ولا يخل حذفها بالمعنى ، صحيح أنه يغيره نوعا ما لكن لا يخل به هذا الحذف ويمنعه من كل وجه ، ولذا سميت ( كان ) الزائدة .
أما في سورة الدخان فهي كذلك ، لكن تغييرها للمعنى عجب عجاب ، وهو في تفسير وتفصيل نبوءة الإنجيل ، ومعناها ثابت في صحة اعتقاد أن المهدي ما هو إلا هذا الرسول المذكور في تلك الآيات ، رسول من رسل الرحمن عز وجل ، وصفة الإرسال لما كانت تقع عليه وعلى المصطفى صلى الله عليه وسلم لكن من غير علم ويقين الأكثرين ، وهكذا اقتضت حكمة الله تعالى ، وأتى الأمر بمثابة وجه القمر وفيئه ، ولو استدار ما فطن أحد ، ومن هذا خرجت الحكمة بالتشبيه بالفيء ، فسبحان الله علام الغيوب ، القادر الحكيم .
وليصدق المؤمن ، حتى في إثباتها في سورة الدخان ، هي تأتي على وجه النبوءة كذلك ، لأن ( كان ) في العربية تأتي على وجه الإخبار هي كذلك بما يكون ! ، وليس هنا وقت ذكر ذلك ومن ذكره من اهل العلم بالعربية ، ولعل الله ييسر نشر ذلك قريبا .
موقع المهدي
11-04-2005
ويأتي الآن الكلام في وجه نصرة الله تعالى له في تفصيله عن القمر ، أنه بوصولهم له يكونون بذلك قد أدركوا زمان مواجهة المهدي ، وأن القمر شبه به المهدي كناية لجعل وصولهم للقمر إيذانا وعلامة على تحقق زمان مبعثه ! . من كتاب البيان الثاني
ومن الشواهد عندنا في الكتاب والسنة لما ورد في كتاب النبي دانيال عن بلوغهم السماء وصعودهم القمر قوله تعالى : ( والقمر إذا اتسق . لتركبن طبقا عن طبق . فمالهم لا يؤمنون . وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون ) والمراد بالطبق بالآية السماء ، فقد وصفها بهذا في قوله عز وجل : ( الذي خلق سبع سماوات طباقا ) وهذا فيه إشارة إلى بلوغ السماء والفضاء ، وهذا محقق اليوم في جيلنا كما هو مشاهد بالطائرات والمراكب الفضائية ، وقد أقسم سبحانه عالم الغيب والشهادة على صدق تحقق هذا النبأ بالشفق والليل والقمر ، وجعل القمر بالسياق أدناها إلى المقسم عليه ، من أجل أن تحقق هذا لهم إنما يكون نتيجة وصولهم للقمر ، فجاء واقع الحال مطابقا لواقع السياق في الآيات ، فسبحان الله علام الغيوب .
وأعجب من هذا أن المهدي جاء وصفه في الإنجيل بالقمر ، وعلى هذا فمن بلغ القمر الحقيقي في السماء سيكون قد بلغ القمر المثال في الأرض ، وهذا سر جَعْل الوصول للقمر السماوي علامة وميقات ، ولهذا كانت الإشارة في الآية بقوله : ( والقمر إذا اتسق ) على سبيل القسم بالاكتمال وبلوغ الغاية ، في تأكيد الوصول إلى السماء .
ولعل الحكمة من وصف المهدي في الإنجيل بالقمر لاعتبارين :
الأول : أنه يتبع الشمس في دورانه في فلكه والله يقول عن هذا : ( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها ) وحقيقة المهدي أنه تابع للنبي عليه الصلاة والسلام وهذا ورد ذكره في القرآن في قوله تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) يتلوه : يتبعه . والشاهد هنا المراد به المهدي فهو من ذرية رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ومن صفاته أن الله تعالى يؤتيه علم الكتاب كما ورد ذكر هذا في قوله تعالى : ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) .
والثاني : أن القمر إنما يستمد حقيقة نوره من عين الشمس بعكس أشعتها إلى الأرض ، فتكون بذلك هي أصل نوره ومن دونها لا يكون إلا في ظلام . وهكذا حال المهدي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام لا غنى له عن هذا السراج المنير . من كتاب وجوب الإعتزال
بل جعل القمر رمزا للجد والحفيد لكل منهم شق من القمر : ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ ، وهما يكملانه فيكونان قمرا كاملا ، وبهذا القمر كان قسم الله تعالى كما في سورة المدثر : ﴿ كَلا وَالْقَمَرِ ﴾ . والانشقاق : ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ، لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ ﴾ . من كتاب طيبة دار السلام
( معه أمانتي ورحمتي وباسمي قرنهُ يرتفع، فأجعل على البحر يده وعلى الأنهار يمينه، يدعوني إلهي وصخرةُ خلاصي، وأنا أجعله بكرا عليا فوق ملوك الأرض، إلى الأبد أحفظ له رحمتي ويبقى له عهدي أكيدا .. مثل القمر يكون راسخا إلى الأبد وشاهدا في الغيوم أمينا ) الزبور
لأبي عبد الله المهدي الحسين بن موسى اللحيدي